‏هل هناك مسوغ لبقاء قطر في الاتفاقية الأمنية؟


اسم الكاتب : د. نايف بن نهار - أستاذ في جامعة قطر

المشاهدات : 3017

‏تتضمن بنود الاتفاقية الأمنية الخليجية ما يخالف المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان التي وافقت عليها دول الخليج، وتتضمن كذلك ما يخالف دساتير بعض الدول الموقعة. لكن بما أن الاتفاقية الأمنية نصت في المادتين الأولى والعاشرة على أن بنودها مقيدة بالتشريعات الوطنية للدول والتزاماتها الدولية وظروفها، فإنّ ذلك يلغي القيمة الحقيقية لهذه الاتفاقية في اعتقادي، ويجعلها خاضعة للأمزجة الأمنية للمسؤولين الخليجيين.

‏لكني لن أناقش هذه القضايا التفصيلية، بل سأناقش مدى وجود أساس منطقي لاستمرار دولة قطر في هذه الاتفاقية، وإذا ثبت أنه لا يوجد أساس منطقي لهذا الاستمرار فإنَّ ذلك يغني عن الدخول في تفاصيل المخالفات القانونية والدستورية لبنود الاتفاقية.

‏قد أتفهّم انضمام قطر إلى الاتفاقية الأمنية الخليجية، نظرًا للظروف التي جاءت فيها، ونظرًا لمرونتها التي تجعل كل بنود الاتفاقية مرهونة بتشريعات الدول الوطنية والتزاماتها الدولية، فكل بند من بنود الاتفاقية الأمنية لا يكون لازمًا لأي دولة إن كان ذلك يخالف تشريعًا من تشريعاتها الوطنية أو التزاماتها الدولية كما نصت المادة الأولى من الاتفاقية.

‏لكن تفهّمي لانضمام قطر لا يعني تفهمي لاستمرارها في هذه الاتفاقية؛ لأنَّ المعطيات قد تغيّرت بما يجعل ضرر الاستمرار أكبر من نفعه، وسألخص شرح ذلك في النقاط الآتية:


‏أولاً: ينص الدستور القطري في المادة السابعة على أن التعاون يكون مع الدول المحبة للسلام، وقد ثبت أنَّ هذه الدول الأربع شكّلت تهديدًا وجوديًا لقطر باعتراف دولة قطر نفسها، حيث صرّح وزير الخارجية القطري أن الأزمة الخليجية كانت تهديدًا وجوديًا وليس تهديدًا سياسيًا فقط. وهذا ما أشار إليه أمير دولة الكويت حين ذكر أنه استطاع إيقاف عمل عسكري ضد قطر.

‏والسؤال هنا: كيف يمكن البقاء في اتفاقية أمنية مع من خطط لغزوك عسكريًا وعمل على تهديدك وجوديًا؟ إنَّ الدول تبحث عن الاتفاقيات التي تخلق لها مصالح جديدة أو تعزّز مصالحها القائمة، لكن لا توجد دولة تسعى لاتفاقيات أمنية مع من يسعى لتقويض أمنها علنًا وصراحة، ويحرّض على قلب نظام الحكم بكل الوسائل الممكنة.

‏ثانيًا: الاتفاقيات الأمنية تكون مع الدول المتفقة في رؤيتها الأمنية، فلا يمكن أن تكون هناك شراكة أمنية بين دولتين لهما رؤيتان أمنيتان متضادتان، والأزمة الخليجية أظهرت أن التضاد وصل إلى مستوى أن تتهم الدول الثلاث قطر برعاية الإرهاب ودعمه، فكيف يمكن لقطر أن تبقى في اتفاقيةٍ أمنية مع دول تتهمها بأنها تقوّض الأمن وترعى الإرهاب؟

‏ثالثًا: أنَّ الدول الثلاث لم تلتزم ببنود الاتفاقية الأمنية، وهذا ما نص عليه البيان الصادر من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر في الشهر الأول من الأزمة الخليجية. فإذا كان الطرف الآخر غير ملتزم بالاتفاقية، فأي أساس منطقي إذن يسوّغ الاستمرار بها؟

‏رابعًا: يخبرنا التاريخ القريب أنه لم يستفد من هذه الاتفاقية سوى الدول الثلاث؛ لأن المادة الثانية مثلاً تنص على تسليم المطلوبين أيًا كانت جنسياتهم، وقطر لا تملك قوائم مطلوبين كما تملكها الدول الثلاث، التي لا تتوقف عن إنشاء قوائم مطلوبين ولأدنى الأسباب. ولذلك، عمليًا المستفيد من هذه الاتفاقية هي الدول الثلاث وليست قطر التي يُستضاف معارضوها من قبل الدول الثلاث دون أن يكون لهذه الاتفاقية أي تأثير على وجودهم.

‏الخلاصة أنَّ استمرار قطر في هذه الاتفاقية يعطي شرعية للدور الأمني لهذه الدول، وقطر لا تقر بشرعية هذا الدور أصلاً، إذ إنها ترى هذه الدول الثلاث تهددها وجوديًا، ومن المنطقي ألا يكون هناك اتفاق أمني مع من يهددك وجوديًا، ولذلك فإنَّ الخروج من هذه الاتفاقية أصبح أمرًا بدهيًا لا يحتاج إلى تنظير للإقرار به. وبإمكان قطر أن تكتفي بما ورد في القانون رقم (٢٣) لسنة ٢٠٠٤ بإصدار قانون الإجراءات الجنائية الذي نظم الإجراءات المتعلقة بتسليم المحكوم عليهم والمتهمين.

التعليقات

يوجد 3 من التعليقات

د. فهد النعيمي

2018-05-15 20:37:43

أدعم رأي د. نايف وأؤيد كل ماجاد في المقال المذكور كما أضيف بأن ماوقع من أعتقال وأختطاف من الأمن السعودي للمواطن القطري على أرض دولة الكويت يعد أرهاب دولي بكل المقاييس وتعدي فج ينم عن غطرسة وجهل وعدم مراعاة لأي قانون من قوانين حماية حقوق الأنسان لايستوجب الرد عليه الا بصدور مذكرة أعتقال وجلب للمسؤول عن هذا القرار للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.

سالم الهاجري

2018-05-16 11:40:53

تسلم د. نايف على هذا المقال بالمختصر هذولا ماعندهم الا قانون الغاب ، وأتمنى ان دولتنا الغالي و حكومتنا ان تنسحب من هذي الاتفاقية.

عبدالرحمن

2018-05-17 23:23:39

‫السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ‬ ‫دكتورنا العزيز‬ ‫بعد قراءتي لنص الاتفاقية الأمنية وجدت مقالة مع بالغ الاحترام والتقدير ، مبالغا في تشاؤمه السياسي ، كما جانب فيه حقائق قانونية أساسية فيما يتعلق بالاتفاقيات الإقليمية والدولية. وادناه بعض الملاحظات السريعة عليه:‬ ‫وبالنسبة للحقائق القانونية ، فقد احتجيت على الاتفاقية بالقول أن مادتها الأولى تنص على ان (تتعاون الدول الأطراف في أطار هذه الاتفاقية وفق تشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية) وفي مادتها العاشرة تنص على ان تتعاون الدول لتحقيق التكامل الفعلي (وفقا لظروف الدولة والدول الأطراف المطلوب منها)، واعتبرت هذين النصين يلغيان القيمة الحقيقية لهذه الاتفاقية ويجعلانها خاضعة للأمزجة الأمنية للمسؤولين الخليجيين .‬ ‫وهذا الرأي في مبالغة وخطاء في تفسير للنصوص  ، فحسب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فإن مبدأ (حرية الإرادة ) منصوص عليه في ديباجة الاتفاقية ، والمادة 34 من اتفاقية فيينا تقول (لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقاً للدولة الغير بدون رضاها) ، أي ان الدول المتعاقدة تنضمّ للاتفاقيات بإرادتها ولا يجوز إعطاء حقوق للغير عليها بغير رضاها  ، وهذان النصان يؤكدان حق الدولة في الانضمام الى وتنفيذ الاتفاقيات الدولية وفق مصالحها  وتشريعاتها الوطنية والتزاماتها الدولية . والمادة (27) من اتفاقية فيينا تقول (لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة) ولذلك وضع مشرعو الاتفاقية الأمنية  التشريعات الوطنية كمعيار للتعاون لكي لا يحتج احد بمخالفة اتفاقية فيينا ، وتنفيذا لمبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) الوارد في ديباجة اتفاقية فيينا.‬ ‫وتقول المادة (53) من اتفاقية فيينا انه (تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي).ومعلوم ان من القواعد الآمرة في القانون الدولي ، والتي ورد بعضها في ديباجة الاتفاقية هي (الحقوق المتساوية، وتقرير الشعوب لمصائرها، والمساواة في السيادة واستقلال جميع الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومنع التهديد بالقوة أو استعمالها، والاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع). وبناء عليه  جاءت الاتفاقية الأمنية بنصوص تحفظ حقوق الدول الأطراف وتمنع استخدام الاتفاقية للتدخل في شؤونها الداخلية.‬ ‫أما من حيث السوابق ، فهناك عشرات ، إن لم أقل مئات ، الأمثلة على اتفاقيات دولية تلتزم باحترام التشريعات الوطنية ، بل إن دول مثل الولايات المتحدة تشترط توافق الاتفاقيات الدولية مع القانون الوطني لتنفيذها ، أي انها تعطي العلوية للقانون الوطني على القانون الدولي ،فما عدا مما بدا!!!‬ ‫ووضعت دول الحصار في خانة (الدول غير المحبة للسلام) والتي (تشكل تهديدا وجوديا لدولة قطر) ، وهذا الموقف السياسي  العاطفي المستند الى تحليل غير صحيح للوقائع والتصريحات  ، هو موقف غير بنّاء ، فلا يجوز الاستناد الى  معطيات أزمة ظرفية وبناء مواقف مستدامة عليها ، ولا يجوز تحويل الازمة العابرة الى صراع دائم . ولو جاء ذلك من دعاة الفتنة في الدول الثلاث لعذرناهم (ولعنّاهم أيضا) .‬ ‫ثم ان الاتفاقية الأمنية ليست هي الوحيدة بين دولة قطر والدول الثلاث ، فهناك عشرات الاتفاقيات والقوانين والتشريعات ضمن اطار مجلس التعاون الخليجي ، فهل ينطبق عليها الموقف من ( الدول التي تشكل تهديدا وجوديا لدولة قطر ولا يجب البقاء في اتفاقيات امنية معها)؟‬ ‫كلمة أخيرة ، بعض منظمات حقوق الانسان الغربية احتجت على الاتفاقية الأمنية وقالت انها يمكن ان تستخدم أداة لقمع حرية التعبير ، وهذا الموقف الغربي معروف ليس إزاء هذه الاتفاقية فقط بل إزاء دساتيرنا وقوانيننا ، وهم يدمرون بلداننا ويتهموننا بقمع حرية التعبير.‬ ‫والله من وراء القصد‬ ‫مع خالص التحيات‬