د.حسن حنفي، هل ثمة جديد في تجديده؟


اسم الكاتب : د.نايف بن نهار

المشاهدات : 5519

حين رأيتُ مجلدين كبيرين _كل مجلد يقارب سبعمئة صفحة_ في إعادة بناء أصول الفقه وإصلاحه وتجديده، أصابني انبهارٌ عما يمكن أن يكتب المرء في ألف وأربعمئة صفحة في قضية مثل قضية تجديد أصول الفقه.

اشتريتُ الكتاب بمجلديه، وعجلتُ إلى المنزل كي أبدأ بقراءته وأجد ما عساه يبرر انبهاري. بدأتُ في قراءة المجلد الأول ووصلتُ إلى منتصفه ولم أجد شيئًا عن التجديد أو "الإصلاح الجذري" على حد تعبيره. كلُّ ما وجدتُه هو تكرار لما قاله الأصوليون وإضافات شكلية لا علاقة لها بـ "الإصلاح الجذري" الذي وعد المؤلف به في بداية كتابه. كما أنَّه عَمِل كثيرًا على تسطيح أفكار الأصوليين كما سنرى ذلك.

أكملتُ الكتاب راجيًا أن يكون ما مضى محض مقدمات للتجديد والإصلاح الجذري، لكني ظللتُ سائرًا بين جنبات تلك المقدمات والشكليَّات حتى اصطدمتُ ببوابة المجلد الثاني! قلتُ في نفسي لعل المجلد الأول كله مقدمة شكلية الغرض منها التمهيد لما في المجلد الثاني، فلا يعقل أن تكون كل المبالغات التي أوردها الدكتور حسن حنفي في تضخيم قيمة كتابه لا ينتج عنها سوى ما قرأتُه.

انتهيتُ من المجلد الثاني واجدًا نفسي في نهاية الطريق وقد كنتُ أظنه بدايته، فلا تجديد ولا إصلاح ولا إعادة بناء، إنَّ ذلك مؤلمٌ حقًا، ومحبطٌ فعلاً.

لنعد إلى نقطة البداية، كتب الدكتور حنفي كتابَه هادفًا لتحقيق غاية محددة، عبّر عنها في مواطن مختلفة، ومن ذلك قوله: "يُكتب الآن من "النص إلى الواقع" ضد شبهة أن التشريعات الإسلامية حرفيَّة فقهيَّة تضحي بالمصالح العامة، قاسية لا تعرف إلى الرجم والقتل ....، كما أنَّ من ضمن مآسينا خروج بعض الحركات الإسلامية المعاصرة".

ويقول في موطن آخر: "أما عنوان "من النص إلى الواقع" فإنه يدل على مرحلة جديدة في تطور علم الأصول والتحوّل فيها من النص إلى الواقع، أي من الحرف إلى المصلحة استئنافًا للشاطبي والطوفي. فسواء كان الأصل عقلاً بطريقة المتكلمين أو نصًا بطريقة الفقهاء فإنَّ أصول الفقه الجديدة تبدأ من الواقع ومن مصالح الناس المتغيّرة بتغيّر العصور. وهو رد فعل على ما يحدث في هذا العصر من تضحيةٍ بالمصالح العامة باسم النص، وتراكم مآسي الناس باسم الشريعة".

وبعد أن حدد الهدف من مشروعه الأصولي، يحاول الإجابة على من يعترض بأن هناك من قام بهذه المهمة بقوله: "صحيحٌ أنه كانت هناك محاولات لإصلاح قانون الأحوال الشخصية ولإعادة النظر في قضايا الربا والفائدة وعوائد شهادات الاستثمار وصناديق الاستثمار ولكنها ما زالت محاولات جزئية مترددة".

وهنا ثمة عدة إشكالات:

الإشكال الأول: كل علمٍ له موضوع، وتمايز العلوم بتمايز موضوعاتها. فما موضوع علم أصول الفقه؟ موضوعه النص من حيث هو منتجٌ للحكم الشرعي. ومباحث علم أصول الفقه إما أن تتحدث عن النص وما تفرع عنه أو تتحدث عن المباحث الخادمة للنص، مثل مباحث المفاهيم أو الأمر والنهي أو العام والخاص أو المطلق والمقيد أو الناسخ والمنسوخ.

بناءً على ذلك، كيف تصح دعوى الدكتور حنفي من انتقال الأصول من النص إلى الواقع؟ هذا يستلزم تبديل موضوع علم أصول الفقه بالضرورة وجعله مرادفًا لعلم الفقه! وإذا تأملنا كلام الدكتور حنفي السابق وجدناه فعلاً لا يميّز بين موضوع علم أصول الفقه وموضوع علم الفقه، فهو يذكر تجديد الآراء الفقهية بخصوص الأحوال الشخصية والمسائل الاقتصادية بموازاة تجديده في أصول الفقه، أي أنها أمثلة على التجديد الأصولي!! ومعلوم للباحثين في الشريعة أنَّ التجديد في الفقه لا يستلزم التجديد في أصول الفقه، وتاليًا لماذا يذكر الدكتور حنفي التجديد في مسائل الفقه بوصفها أمثلة على تجديد أصول الفقه؟ هذا يشرح لنا مدى خلط الدكتور حنفي بين الفقه وأصوله.

الإشكال الثاني: يقول الدكتور: "فإنَّ أصول الفقه الجديدة تبدأ من الواقع".

لا يمكن للأصول أن تبدأ من الواقع، ولو بدأت من الواقع لكانت فروعًا لا أصولاً. فقد قلنا سابقًا إن أصول الفقه هو علم التعامل مع النص، ولو جعلناه يتعامل مع الواقع لذهب موضوعه ولصار علمَ فقهٍ؛ لأن الفقه هو علم التعامل مع الواقع.  فإذا كان أصول الفقه يبدأ من الواقع، فما فائدة مباحثه كلها؟ كيف نستفيد من المفاهيم والمطلق والمقيد والعام والخاص والناسخ والمنسوخ والأمر والنهي ....، كل هذه الأمور تنطلق من النص، فإذا نقلناها إلى الواقع لم يعد يمكن منطقيًا توظيفها.

إذن لدينا مشكلة في أن الدكتور حنفي لا يفرق بين الفقه وأصول الفقه، ويريد أن ينقل خصائص الأول إلى الثاني بحيث يسلب الأخير موضوعه الذي إنما تميّز بتميّزه. ولو كتب الدكتور حنفي كتابه "من النص إلى الواقع" في علم الفقه لكان ذلك مقبولاً.

ومما يعزز عدم استيعاب الدكتور حنفي لموضوع علم أصول الفقه قوله: "علم أصول الفقه هو في النهاية علم الأصول وليس علم الفروع. والأصل ما يتفق عليه الناس، وليس ما يختلف عليه الناس".[1]

كيف صار معيار التفريق بين علم الأصول وعلم الفروع هو وجود الاختلاف؟ علماء المسلمين متفقون على أن المعيار الفاصل بين مسائل الأصول والفروع هو الموضوع، فإن كان موضوع المسألة مرتبطًا بالنص فهي مسألة أصولية، وإن كان مرتبطًا بفعل المكلَّف فهي مسألة فرعية.

أما معيار الاختلاف فهذا جديد، ولو أخذنا به لصارت بعض مسائل الأصول فرعية والعكس صحيح. فالصلاة مثلاً لم يُختلف حول وجوبها، فهل تصبح مسألة أصولية؟ والقياس مختلف عليه فهل يصبح مسألة فقهية لا أصولية؟

إذن معايير الدكتور حنفي تؤدي إلى التلاعب في العلوم وخلطها ببعض، ولستُ أدري هل يتحدث الدكتور حنفي عن علم أصول الفقه الموجود في الكتب أو علم أصول فقه موجود في مخيّلته التجديدية فقط؟

الإشكال الثالث: أنَّ الدكتور حنفي  يرى أن علم أصول الفقه يبدأ "من الواقع ومن مصالح الناس المتغيرة بتغير العصور". وإذا كان أصول الفقه مرتبطًا بمتغيّر فهو بالضرورة متغيّر كذلك.

لكن كيف يمكن أن يبقى العلمُ علمًا إذا كان متغيّرًا؟ موضوع العلوم ثابتٌ لا يتغيّر، فموضوع علم النحو هو الكلمة دائمًا وأبدًا، وموضوع علم السياسة هو السلطة دائمًا وأبدًا، وموضوع علم الطب هو جسد الإنسان دائمًا وأبدًا، وهلم جرا. فإذا ما أردنا تغيير موضوع أي علم من العلوم فإننا بالتأكيد نخلطه بعلمٍ آخر أو نلغيه إلى لا بدل.

وقد يقول قائل: ها أنتم تقرون بأن علم الفقه متغيّر بتغيّر الزمان والمكان ومصالح الناس، ومع ذلك لم يستلزم اتصافه بالتغيّر تحوّل موضوعه أو تبديله.

هذه مغالطة ظاهرة، فالذي يتغيّر في علم الفقه هو الحكم وليس الموضوع. فالفقه له موضوع محدد منذ أن نشأ إلى يومنا هذا، وهو فعل المكلَّف، أما الحكم الصادر على فعل المكلَّف فهو مناط التغيير بحسب الظروف. فشرب الخمر محرَّم، لكن إذا غص إنسان ولم يجد حوله سوى الخمر فإن شرب الخمر يكون غير محرم، فهنا تغيّر حكم شرب الخمر، لكن الموضوع واحد في الحالتين، وهو فعل المكلَّف المتمثّل بشرب الخمر.

والدكتور حنفي لا يريد تغيير "أحكام" أصول الفقه، وإنما يريد تغيير "موضوعها"، بدليل تحويله من النص إلى الواقع.

وتغيّر أحكام الفقه بتغيّر الظروف أمرٌ مفهوم؛ لأن أحكام الفقه مرتبطة بالواقع، والواقع متغيّر، فأمكن تصوّر ذلك. لكن هذا الأمر لا يمكن تصوّره في أصول الفقه، فالأصوليون مثلاً يقولون دلالة العام على أفراده دلالة ظنية. ويقولون: مفهوم المخالفة حجة. ويقولون: الإجماع حجة. ويقولون: الخاص مقدم على العام، وإلى غير ذلك من القواعد.

 كيف يمكن أن تتغير هذه القواعد الأصولية بناءً على تغير مصالح الناس؟ لا يمكن لمتغيّرات الواقع ومصالح الناس أن يكون لها أثر في تحديد موقفنا من هذه القواعد.

إذن نخلص هنا إلى أنَّ الدكتور حنفي أخطأ في أصل الفكرة التي أقام عليها كل كتابه، فعلم أصول الفقه لا يمكن أن ينتقل من النص إلى الواقع إلا إذا أمكن نقل علم النحو من الكلمة إلى الواقع.

أما مادة الكتاب نفسه فلا جديد فيها على الإطلاق.

وأنا أعني ذلك بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالمجلَّد الأول كله مجرد وصف لكتب الأصول، وتكرار للمسائل الواردة فيها دون أي إضافة سوى إضافات شكليّة باعترافه هو. فهو مثلاً يقسّم كتب الأصول إلى إحادية البنية وثنائية البنية إلى سباعية البنية. وهذا التقسيم بناءً على ما ورد في فهرس كتب الأصول، وليس له أي قيمة اعتبارية قد تنعكس على تقييم النتاج الأصولي أو تجديده. فهي قسمة شكلية يمكن لأي شخص آخر أن يختار قسمة أخرى من منطلق آخر شكلي.

وإذا تركنا المجلد الأول الذي يعترف الدكتور حنفي نفسه بأنه كان شكليًا لا جوهريًا، حيث يقول في مقدمة الجزء الثاني: "جاء الجزء الأول أقرب إلى الشكل منه إلى المضمون". أقول إذا تركناه وانتقلنا إلى الجزء الثاني الذي يرى الدكتور حنفي أنه "أقرب إلى المضمون منه إلى الشكل" فإننا نجد أن الأمر لا يختلف. فقد بدأ المجلد الثاني بالحديث عن المقدمات النظرية، وكل عمله في هذا المجال هو نقل مقدمات الكتب الأصولية والتعليق عليها. وليس في هذا "إصلاح جذري" ولا إيجاد "أصول فقه جديدة" كما ذكر في بداية كتابه.

  ثم بعد ذلك تحدث عما يسميه "التجربة الإنسانية العامة" ويقصد به القرآن الكريم، ولا أدري كيف يمكن أن يكون القرآن تجربةً! وكيف يمكن أن يكون إنسانيًا! القرآن الكريم وحيٌ سماوي لا علاقة للبشر به باعتراف الدكتور حنفي، فكيف يُتصوَّر أن يكون تجربةً وهو غير قابل لئن يكون مناطًا لها؟ هذا الاستغراب يتلاشى إذا علمنا أنَّ الدكتور حسن حنفي مهووسٌ بالمنهج التجريبي ، ويريد إعادة توظيفه على جميع الإنتاج الإنساني واللاإنساني ولو كان طبيعة هذا الإنتاج لا تقبل التجربة أصلاً، فالقرآن عنده تجربة عامة، والسنة عنده تجربة نموذجية، والإجماع تجربة جماعية، والقياس تجربة فردية، كل شيء تجربة.

 ومهما يكن من أمر، فإنه في هذا الفصل تحدث عن أمرٍ واحد، وهو طريقة تقسيم الأصوليين للأدلة، فذهب يتابع كتب الأصول كتابًا كتابًا ويحكي لنا كيف اختاروا تقسيم الأدلة. ولا جديد في ذلك كذلك.

جاء بعد ذلك الحديث عما يسميه "التجربة النموذجية" ويعني بها السنة النبوية. وهذا الفصل _كالفصول السابقة_ ليس فيه سوى تكرار لما قاله الأصوليون. فقد ذهب يعدد آراء العلماء في تقسيم الخبر، وشروط اعتبارهم له، وألفاظ الرواية، وشروط الرواي، ومتى يُرجح من المتن ومتى يُرجح من السند، ومتى يكون خبر الواحد حجة، وغير ذلك مما هو معروف في كتب الأصوليين، وليس فيه أي تجديد.

وفي الفصل الثالث تحدث عن الإجماع، لكنه غيّر اسمه إلى "التجربة المشتركة"، وهذا هو التغيير الوحيد الذي ممكن تراه في هذا الفصل، فبقية المسائل التي ذكرها موجودة في كتب الأصول ولا جديد فيها، كشروط الإجماع، وموضوع الإجماع، وأنواع الإجماع وغير ذلك.

ومصطلح "التجربة المشتركة" الذي اختاره بديلاً عن الإجماع مصطلحٌ خاطئ ولا يعبّر عن مفهوم معتبر. فالإجماع مصطلحٌ ينبئ عن شيء صادر اتفاقًا، فنحن حين نقول أجمع الخبراء، أي أن جميعهم قالوا بذلك. وهذه الكليّة مقصودة شرعًا، فلو نقص واحد من العلماء لما كان ذلك إجماعًا. أما المصطلح الذي اختاره الدكتور حنفي "التجربة المشتركة" فهو فاقدٌ لأي مضمون شرعي، بل ويلغي الصفة المميزة للإجماع نفسه.

فكلمة "مشتركة" مثلاً، كلمة لا تدل على المطلوب، فما معنى مشتركة؟ لو حصلت تجربة بين شخصين لصحَّ تسميتها بأنها مشتركة؛ لأن الاشتراك ضد الانفراد، لكن هذا اشتراك الاثنين لا يعدُّ إجماعًا عند الأصوليين، بل لا بد من اتفاق الجميع. فنلاحظ أن تسمية الدكتور حنفي تلغي مراد الأصوليين وإن كان حنفي يعتقد أنه يعبّر عنهم بصورة أفضل مما عبروا عنها.

ولعلَّ الدكتور حنفي أخذ هذه التسمية من الدكتور رضوان السيَّد، الذي عبّر عن هذا المصطلح قبل ثلاثين عامًا في كتابه "الأمة والجماعة والسلطة".[2] لكن الدكتور رضوان كان أكثر دقةً في تعبيره، حيث يقول: "الإجماع شرعٌ من الشرع، وهو عبارة عن التجربة التاريخية للجماعة". فهو قد جعل الإجماع تجربةً، لكن لم يصفها بالمشتركة كما فعل الدكتور حنفي، بل وصفها بالتاريخية، وهذا وصف صحيح يصدق على حقيقة الإجماع.

من ناحية أخرى، يقول الدكتور حنفي: "الإجماع ليس حجة نصيَّة بل هو تجربة مشتركة واتفاق الجميع"[3] إن كان الدكتور حنفي يعبّر في هذه العبارة عن رأي الأصوليين فهو مخطئ. فمعظم علماء الأصول على أنَّ الإجماع حجة نصية وليس حجة مستقلة، أي أنه كاشفٌ عن النص ومعبّر، ولذلك يُشترط في اعتباره وجود السند. وفي ذلك يقول الجويني: "الإجماع في نفسه ليس حجةً، إذ لا يُتصوَّر من المجمعين الاستقلالُ بإنشاء حكم من تلقاء أنفسهم، وإنما يُعتقد فيهم العثور على أمرٍ جمعهم على الإجماع، فهو المعتمد، والإجماع مُشعرٌ به".[4]

ويقول كذلك مبرراً حجيّة الإجماع: "فإذا ألفيناهم قاطعين بالحكم لا يرجعون فيه رأياً، ولا يرددون قولا فنعلم قطعا أنهم أسندوا الحكم إلى شيء سمعي قطعي عندهم ولا يبعد سقوط النقل فيه".[5]

كما أن جمهور الأصوليين ذهبوا إلى اشتراط وجود مستندٍ للإجماع، يقول السبكي: "واشتراط السند في الإجماع هو الذي عليه الجماهير".[6]

إذن ما ذكره الدكتور حنفي لا يعبّر عن رأي الأصوليين، على الرغم من أنه قد أورده في سياق تلخيص ما قاله الأصوليون.

ثم جاء دور القياس في الفصل الرابع، واختار له اسمًا جديدًا، وهو "التجربة الفردية". وهذه أيضًا تسمية خاطئة؛ لأنَّ التجربة الفردية مصطلح عام جدًا، فلا موضوعها محدد ولا فاعلها محدد ولا آليتها محددة.

ثم بعد ذلك عقد فصولاً لما يسميه الأصوليون مباحث الألفاظ، وهو اختار تسميتها بأسماء أخرى. ثم تحدث عن مقاصد الشريعة وأحكام التكليف. وفي جميع هذه المباحث لم يفعل الدكتور حنفي شيئًا سوى أنه أعاد كتابة المكتوب.

إذن كل ما ذكره الدكتور حنفي هو محض تكرار لما قاله الأصوليون، ليس فيه أي جديد، والإشكالية تزيد وتكبر إن علمنا أنه يورد مسائل الأصوليين كما هي، فهو لم يكلّف نفسه عناء مناقشة آراء الأصوليين، وإنما يكتفي فقط بسردها سردًا، كأن الكتب الأصولية حُرقت واختفت ولم يجد الناس سبيلاً لها، فجاء الدكتور حنفي وتكرّم علينا بسردها جميعًا.

ملاحظات سريعة

أولا:ً ثمة منهجان لدى علماء أصول الفقه، منهج المتكلمين ومنهج الفقهاء. أما الدكتور حنفي فقد اختار له منهجًا جديدًا، وهو تحليل النص باعتباره تجربة بشرية، وقد عبَّر عن ذلك بقوله: "إذا كان القدماء اتبعوا طريقتين في تدوين علم الأصول، طريقة المتكلمين وطريقة الفقهاء، فإنَّ بنية النص _يقصد الجزء الثاني من كتابه_ تتبع طريقة المحدثين، تحليل النص باعتباره تجربة بشرية".[7]

إذن يرى الدكتور حنفي أن لديه طريقة جديدة تتمثّل في "تحليل النص باعتباره تجربة بشرية". سواء أقلنا إن مقصوده بالنص هو النص الشرعي أو النص الأصولي،[8] فإنَّ الدكتور حنفي لم يقم بتحليل أي نص مطلقًا في كتابه، أي أن هذه الطريقة التي ذكر أنها تميّزه عن الأولين لم يمارسها قط، وتاليًا ما قيمة كتابه إذا لم يطبّق عليه طريقته الجديدة؟

ثانيًا: يذكر الدكتور حنفي أنَّ مشروعه استئنافٌ للطوفي والشاطبي، ولكن من قرأ لهما وقرأ للدكتور حنفي يعرف أنه لا يمكن أن يكون لمشروع الدكتور حنفي نسبٌ ولا قرابة بمشروعي الشاطبي والطوفي.

ثالثًا: يُخيّل لي عند قراءة الدكتور حنفي أنه لا يتحدث عن أصول الفقه المعروف. انظر مثلاً حين ذهب يعدد خصائص أصول الفقه، فجعل الفطرة من تلك الخصائص! كيف تكون الفطرة من خصائص علم أصول الفقه؟

 ثم ما معنى الفطرة؟ يقول الدكتور حنفي: "الفطرة هي الطبيعة البشرية الثابتة المطردة بصرف النظر عن الدين والفرقة والمذهب والطائفة والجنس والعمر ........ ، فلا يخص علم أصول الفقه دينًا معيَّنًا أو شعبًا خاصًا، بل يتجاوز كل هذه الفروق إلى الطبيعة البشرية الأصلية، الحد الأدنى المشترك بين الشعوب، الجامع بين الناس والثقافات".

هل هذا الكلام مرتبط بأصول الفقه أم بحقوق الإنسان؟

 

 

 

[1]  حنفي، حسن، من النص إلى الواقع محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه (بيروت، دار المدار الإسلامي، ط1، 2005) ج2، ص11

[2]  السيد، رضوان، الأمة والجماعة والسلطة (بيروت، دار اقرأ، ط2، 1986) ص15.

[3]  ج2، ص116.

[4]  الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم (دار الكتب العلمية ،بيروت، ط2، 2003) 29

[5]  الجويني، عبد الملك بن عبد الله، البرهان في أصول الفقه (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1997م) ص 262.

[6]  السبكي، تاج الدين، الإبهاج في شرح المنهاج (بيروت، دار ابن حزم، ط1، 2004) ج2، ص1376.

[7]  الجزء الثاني، ص8

[8]  غالبًا ما يقصد الدكتور حنفي بالنص النص الشرعي، بدليل ذكره المصلحة على سبيل المقابلة مع النص، حيث يقول: "أي من الحرف إلى المصلحة".

التعليقات

يوجد 4 من التعليقات

حمد القحطاني

2016-09-29 21:14:17

مقال رائع جدا، أبان عن تخبط حنفي وتسوره على العلم. ننتظر المزيد ؛؛ ونأمل في هذا الموقع الجذاب شكلا مزيد ابداع وتألق مضمونا،، اخوكم حمد

الشيخ أحمد

2016-09-30 09:46:50

بارك الله فيك يا دكتور وأستاذنا العزيزما قلتم هو أقل ما يمكن أن يقال عن الكتاب فهو ادعاء على اصول الفقه وعلى التجديد

سامي

2016-10-01 23:07:41

على رسلك أخي كاتب المقال، يبدو واضحاً من نبرتك التحامل على المؤلف والكتاب.

علي العمري

2023-02-15 18:00:02

قرأت شيئا من كتبه ككتابه الضخم "من العقيدة إلى الثورة" بأجزائه الخمسة؛ فألفيته مجرد تلخيص وتبويب لكتب علم الكلام، وما سوى هذا فلا يعدو أن يكون هراء عديم الفائدة... كتب هذا الرجل لا ينتفع بها عالم ولا يرغب فيها علماني؛ ينفر منها الأول لما فيها من المغالطات والمجازفات وسوء الفهم بقصد وبغير قصد، وينفر منها الثاني لما فيها من الثقل وتجشيمه الدخول في ما لا يهوى ولا يحسن، وأغلب الظن أن هذه المؤلفات الضخمة قد سبقت حنفي نفسه إلى قبره. اللهم لا تجعلنا من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.