مصارف إسلامية أم مصارف لا ربوية ؟
اسم الكاتب : د.نايف بن نهار
المشاهدات : 1307
هل الأصح أن نقول: مصارف إسلامية أم مصارف لا ربوية؟
درَجَ العُرف الحديث على وصف كلِّ حراك اجتماعي يدَّعي أصحابُهُ التزامَ القواعد الشرعية بكلمة "إسلامي"، فعلى صعيد العمل السياسي نرى ما يُسمَّى "الحزب الإسلامي"، والمقصود أنه حزب يدّعي التزام أحكام الشريعة الإسلامية، وعلى الصعيد الدولي نرى دولاً تصف أنفسها بالإسلامية، كالجمهورية الإسلامية الموريتانية، وجمهورية إيران الإسلامية، والمقصود أنها دول تطبق أحكام الإسلام في مجالات الحياة. وليس استثناء من ذلك، جاء وصفُ المؤسسات المصرفية التي تُعلن التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية بأنها مصارف إسلامية، ولعلَّ أول مصرف اتصف بذلك هو "البنك الإسلامي للتنمية"،[1] ثم استمر وصف المصارف اللاحقة له بالصفة ذاتها.
مصرفٌ إسلامي أم مصرفٌ لاربوي؟
قد يُنازِع بعض الناس في مصطلح " مصرف إسلامي"، ويرى أنَّه من المناسب أن توصف المؤسسات المصرفية التي تعلن التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية بأنها "مصارف لاربوية" وليست "مصارف إسلامية"، وهذا ما اختاره السيد الصدر حين سمَّى كتابه "المصرف اللاربوي".
والحقيقة أن هذا الجدل ليس حكراً على المجال المصرفي فحسب، بل حتى على الصعيد السياسي. فالرئيس التركي رجب أردوغان يرفض تسمية حزبه_ حزب العدالة والتنمية_ بالحزب الإسلامي، مسوِّغًا ذلك بقوله "إنني كمسلم يمكن أن أخطئ، وكسياسى مسلم يمكننى أن أخطئ، لكن دينى لا يشوبه الخطأ "[2]
والذي يبدو لي أنَّ هذا التسويغ لا يستوي والمنطق الشرعي، فكون العمل قد يعتريه الخطأ لا يعني بحال من الأحوال ضرورة نفي وصف "الإسلامي" عنه، وإلا فإن ذلك يقتضي ألا نصف مسلماً بأنه مسلم؛ لأنه قد يُخطئ!. فالقول بأنَّه ينبغي منع إطلاق وصف "الإسلامي" على الحزب السياسي أو المصرف التجاري أو المنظمة المدنية لأجل ورود احتمالية الخطأ، هو تماماً كالقول بمنع وصف الإنسان بأنه مسلم حتى لا يسيء إلى دينه بالأخطاء التي يرتكبها، كما لو رأينا مسلماً يشرب الخمر ويرتكب الفواحش فإننا _بحسب تسويغ السيد أوردغان_ ينبغي ألا نصفه بالمسلم حتى لا تشوِّه أفعاله الإسلامَ.[3]
إذن لا إشكال إجمالاً في وصف المؤسسة الخاضعة لأحكام الشريعة بالمؤسسة الإسلامية، أما في مجال المصارف تحديدًا، فالذي يبدو لي أنَّ التسمية بالإسلامي متعينة ولازمة لسببين:
السبب الأول: يظن كثيرون أنَّ سبب تسمية المصارف الإسلامية بذلك لكونها تتجنب الربا فقط، فيرى أنه من الأفضل إذن أن تُسمى مصارف "لا ربوية"، والحقيقة أنَّ هذا المفهوم غير دقيق، فالمصارف الإسلامية لا تتجنب الربا فقط، وإنما تخضع لجميع أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يجوز لها أن تمارس فعلاً لا تقره الشريعة الإسلامية، فهي تتجنب الربا والقمار والغرر والجهالة والمتاجرة في السلع أو الخدمات المحرمة، كما أن بعض المصارف تخرج الزكاة، وليس الأمر مقتصراً على جانب العقود والمعاملات، بل رأيتُ بعض المصارف الإسلامية تمنع الاختلاط بين موظفيها خضوعاً لقرار هيئتها الشرعية. فكيف نأتي بعد ذلك ونختزل جميع ذلك في قضية تجنب الربا فقط؟ هل هذا إلا ظلم لما تقوم به المصارف الإسلامية، ومحاولة اختزالية أو تشويهية لجهود المصارف الإسلامية في التزام أحكام الشريعة الإسلامية؟
ولذلك قال الدكتور شابرا: "إذا كان الربا المحرَّم هو الفرق الأول والأساس بين المصارف التجارية التقليدية الربوية والمصارف الإسلامية، فهو لا يشكل الفارق الوحيد بينهما".[4]
السبب الثاني: أنَّه إذا نفينا الربا عن المصرف لا يعني أنه أصبح بذلك إسلامياً، فهناك المصارف الزراعية في الهند تتجنب الربا ولكنها لا تلتزم بأحكام الشريعة بل ولا تعرفها، وقد كانت هناك المصارف التعاونية في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي لا تتعامل بالربا، وعلى ذلك فإن تسمية "المصارف اللاربوية" ليست كافية في تمييز المصارف الإسلامية عن غيرها. وبهذا التقرير يتبين عدم دقة السيد محمد باقر الصدر حينما عنون كتابه بــ "البنك اللاربوي".
[1] الشاوي، توفيق محمد، البنك الإسلامي للتنمية ( القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1993م). ص4
[2] في محاضرة ألقاها في السفارة التركية في مصر. http://www.albawaba.com/ar/
[3] لا ينبغي أن نأخذ ما قاله السيد أوردغان بمعزل عن ضغوطات الهيمنة العلمانية في الحالة التركية، كما أنَّ كثيراً من الأحزاب السياسية تتهرب من وصف "الإسلامي" هروبًا من الاستحقاقات الفكرية التي يفرضها المصطلح.
[4] شابرا، محمد عمر، نحو نظام نقدي عادل، ترجمة سيد محمد ( فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1990م) ص205.
التعليقات
يوجد 0 من التعليقاتلا يوجد تعليقات