هل تعدد الزوجات مطلوب شرعًا ومرفوض ليبراليًا ؟


اسم الكاتب : د.نايف بن نهار

المشاهدات : 9171

ليست كل فكرة مستقرة في أذهاننا ناشئة عن براهين وأدلة، فعقولنا مليئة بالأفكار التي نعتقد صحتها لا لأننا نمتلك دليلاً على صحتها، بل لأننا نريدها أن تكون كذلك أو نعتقد أنها ينبغي أن تكون كذلك. ولأن الإنسان لا يُراجع أفكاره عادةً ولا يُحاسب قناعاته من أين أتت وإلى أين هي ذاهبة، فإنه يتظاهر بأن كل أفكاره نتيجة وعي وتفكّر.

يذكر الفيلسوف الإنجليزي ديفيد هيوم _امتدادًا للجاحظ وابن مسكويه والغزالي وديكارت_ أننا إذا أردنا الوصول إلى الحق يجب أن نتخذ ثلاث خطوات، الخطوة الثالثة من هذه الخطوات تكمن في أن نعيد النظر بنحو مستمر في الأفكار المستقرة في أذهاننا لنختبر مدى صحتها.

ومن هنا فإننا نريد أن نضع تصوّراتنا وقناعاتنا المرتبطة بتعدد الزوجات تحت مجهر الاختبار، وأعني تحديدًا تصوّرين شائعين مشهورين:

التصوّر الأول: أن الإسلام يحث على التعدد ويرغّب فيه، وهذا التصوّر موجود عند الشرعيين وغيرهم على حدٍ سواء، حتى شاع عند بعض الناس أن التعدد سُنّة، وأن الاقتصار على واحدة ليس من السنة.

التصوّر الثاني: أنَّ الليبرالية تحرّم التعدد وتمنعه، وهذا التصوّر نشأ في أذهان الناس نتيجة كثرة مطالبة المنتسبين لليبرالية _أو لمنظومة القيم الغربية عمومًا_ بمنع تعدد الزوجات، والتشنيع على المسلمين بسببه.

هذان التصوّران نريد أن نختبرهما ونرى هل هما ناشئان عن أدلة أم أنهما نتيجة التلقين والتداول الفكري العشوائي؟

وحتى نفعل ما مضى، لا بد من أن نجيب على سؤالين:

  • هل الليبرالية ترفض تعدد الزوجات وتطالب بمنعه؟
  • هل الإسلام يطلب من المسلمين التعدد ويحثهم عليه؟

السؤال الأول: هل الليبرالية ترفض تعدد الزوجات وتمنعه؟

المطالبة بتوسيع دائرة الحريات إلى حدٍ لا يتوقف إلا عند الإضرار بالآخرين فكرةٌ قديمة، قبل جون لوك الذي يُنسب إليه تأسيس المذهب الليبرالي. فقد عبّر عن هذا المعنى أرسطوطاليس في كتابه "السياسة".[1] ونقله كذلك الفرنسي جان جاك روسو عن المركيز دارجنسون، حيث يقول: "يكون كل شخص في الجمهورية حراً كأكمل ما تكون الحرية في ما لا يعود بالضرر على الآخرين".[2]

وكذلك نجدها عند الفيلسوف باروخ إسبينوزا الذي يعدُّ أحق من جون لوك في أن تُعزى إليه الليبرالية، فهو قد أوسع دائرة الحرية لتشمل فئاتٍ رفض جون لوك أن يشملها، كالكاثوليك والملحدين.[3]

وبرغم كل ما مضى، فإنَّ الذي يعدُّ المنظِّر والمؤصِّل الحقيقي للمذهب الليبرالي هو الفيلسوف الإنجليزي جون ستيورات ميل، فهو تمامًا كالقاضي عبدالجبار عند المعتزلة، والفخر الرازي عند الأشاعرة، وابن تيمية عند الأثرية، وابن حزم عند الظاهرية.

ومن حسن حظّ صاحب هذه المقالة أنَّه لن يضطر لاستنطاق عبارات جون ستيورات ميل بما لم تنطق به، أو لي أعناق نصوصه لكي يستخرج ما يُمكن أن يُفهم منه موقفًا معينًا تجاه مسألة تعدد الزوجات، بل إنَّ جون ستيورات له نصوصٌ صريحة ومباشرة في مسألة تعدد الزوجات، فماذا كان موقفه منها؟

انطلاقًا من فلسفته في معاملة الرأي المخالف، يرى جون ستيورات أنَّ الرأي المخالف إما أن يكون صواباً، وحينها سوف نستفيد منه. وإما أن يكون خاطئاً وهذا سيجعلنا أكثر يقينًا بصحة رأينا. وإما أن يكون كلا الرأيين يتضمن صواباً وخطأ، وهذا يجعل الرأيين يتكاملان، ففي كل الأحوال سنجد فائدة من السماح للآخرين بالتعبير عن آرائهم.

وبناءً على ذلك فإنَّه لا داعي إذن لإيذاء الآخرين الذين يخالفوننا بالعادات والآراء، وإنما غاية ما يمكن للإنسان الليبرالي فعله هو أن يحاورهم ويناقشهم بهدف إقناعهم بترك آرائهم، وأما إذا لم يستجيبوا للحوار وبقوا على آرائهم فإنَّ أقصى ما يمكن فعله هو أن يهجرهم ويتجنّبهم.

ثم ذكر جون ستيورات مثالاً تطبيقيًا على هذا التنظير، وهو مثال تعدد الزوجات عند المسلمين، حيث رأى أن هذه القضية قضية تدل على التخلّف والرجوع عن المدنيّة، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن نمنع تعدد الزوجات؛ لأن النساء "تقبلن التعدد بمحض إرادتهنّ، وهن اللواتي يعنيهن الأمر ويقع عليهن الحيف".[4]

إذن جون ستيورات يرفض فكرة منع تعدد الزوجات؛ لأنَّه يرى أنَّه قائم على رضا الطرفين، فما دام أن المرأة راضية بهذا الاختيار وليست مكرهةً عليه فليس لأحد شأنٌ في التدخّل وفرض الوصاية على عقل المرأة ومنعها من ذلك، وهذا ينسجم مع مبدأ العقلانية الذي تدعو إليه الليبرالية، فهي ترفض الوصاية على أي إنسان وتترك له كامل الحرية انطلاقًا من الاعتقاد بأنَّ الأصل في كل إنسان الرشد والعقلانية، فلا داعي للافتئات عليه.

هل ذلك يعني أنه لا يحق لأحد أن ينكر تعدد الزوجات؟

يرى جون ستيورات أنه لا مشكلة في أن ينكر الأوروبيون على المسلمين تعدد الزوجات، لكن من خلال الحوار لا من خلال الإكراه، فإذا أرادت المجتمعات الأوروبية إنكار تعدد الزواجات على المسلمين "فليبعثوا مبشرين لمقاومة هذه الدعوة، وليناهضوا تقدّم مثل هذه المعتقدات بين أبناء أمتهم بالوسائل المشروعة".[5]

إذن لا يحق لأحد _ بحسب شيخ الليبرالية جون ستيورات_ أن يمنع أحدًا من التعدد ما دام أن طرفي العقد راضيان، ولا يحق لأحد أن يفرض الوصاية على الرجل أو المرأة ويقرر لهما ما هو أفضل في حقهما.

هل كان يمكن لجون ستيورات أن يقولَ غيرَ ما قال؟

الحقيقة أن جون ستيورات لم يكن يسعه أن يتخذ موقفًا مخالفًا لهذا الموقف، فلو رفض التعددَ وسمح للدولة بالتدخل لمنعه لنقض مذهب الليبرالية من أصله، ذلك لأنَّ الليبرالية تقوم على منطلق جوهري تفترضه في البشرية ومن خلاله تكتسب شرعيتها، وهو منطلق عقلانيَّة السلوك الإنساني، أي أن الأصل في سلوك الإنسان العقلانية والرشد، وما دام أنه عقلاني فلا يحق لغيره التدخل في شؤونه، إذ لو سمُح بالتدخل فهذا يعني أنه ليس بعاقل ولا براشد، وقد افترضنا خلاف ذلك. فإذن لـمَّا كان الأصل في الإنسان العقلانية والرشد، فلا يجوز لأحد أن يمارس الوصاية عليه مدعيًا أنه أكثر حرصًا منه عليه.

وجون ستيورات يرفض التدخل في شؤون الآخرين سدًا لذريعة تدخّل الآخرين في شؤونه، فهو يرى أنَّه إذا كان لك الحق في منع الآخرين من التعدد لأنك تكره التعدد، فللآخرين كذلك الحق في منعك من فعل ما يكرونه. ولذلك يتعيّن منطقيًا ترك الآخرين وشأنهم ما دام أنهم لم يضروك، حتى لا يجدوا ذريعة للتدخل في شؤونك التي لا تضرهم، وبذلك تحمي نفسك من خلال إقرارك بحماية الآخرين لأنفسهم.


السؤال الثاني: هل الإسلام يطلب من المسلمين التعدد ويحثهم عليه؟

نريد أن نبدأ من حقيقة موضوعية، وهي أنه لا توجد ولو آية واحدة جاءت خصيصًا لموضوع التعدد، وإنما جاء موضوع التعدد في آية واحدة عرَضًا لا أصالةً، وهي آية النساء {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}.

نلاحظ في هذه الآية أن موضوع التعدد جاء جوابًا لفعل الشرط "وإن خفتم"، أي أن الآية جاءت أصلاً للحديث عن موضوع اليتامى منذ البداية، وجاء ذكر التعدد باعتباره معالجة لمشكلة مرتبطة باليتامى.  فالآية لم تقل مثلاً: "يا أيها الذين آمنوا انكحوا ما طاب لكم من النساء". لو جاء التعدد بهذه الطريقة أو نحوها لكان واضحًا أنه مرغوب شرعًا، لكنه جاء باعتباره جوابًا لفعل شرط، وردة فعل وحلاً لمشكلة قائمة، فكأنه لو لم تكن هذه المشكلة موجودة لما جاء أصلاً ذكر التعدد في القرآن.

إذن أول نتيجة نصل إليها أنَّه لا توجد آية واحدة في القرآن جاءت خصيصًا لطلب التعدد.

ماذا نريد من هذه النتيجة؟

الذي نريد أن نصل إليه هو أنه إذا كان طلب التعدد جاء باعتباره حلاً لمشكلةٍ ما، فهذا يعني أننا لن نفهم فكرة التعدد إلا إذا فهمنا حقيقة المشكلة التي جاء التعدد حلاً لها، وهي مشكلة ظلم اليتامى. 

لنقرأ آية التعدد في ضوء سياقها، حيث يقول تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (2) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4)}

أولاً: ابتدأت الآيات بأمر المسلمين أن يؤتوا اليتامى أموالهم، أي أن المسلمين الذين يقومون على شأن اليتامى يجب أن يُعطوا اليتامى حقهم من الأموال، ولا يجوز لهم أن يستغلوا ضعف اليتيم لأخذ ماله أو الاقتطاع منه.

ثانيًا: بعد أن أمر القرآن المسلمين بالعدل في معاملة اليتامى بدأ يتحدث عن حالة استثنائية، وهي حالة عدم تمكّن المسلم من إقامة العدل مع اليتامى، فذكر أنه في حالة الخوف من عدم القسط مع اليتامى فالحل هو أن يبحثوا عن نكاح ما طاب لهم من النساء غير اليتامى الذين يخافون إيقاع الظلم في حقهم.

إلى الآن تبدو الصورة غير واضحة، إذ ما علاقة خوفنا من ظلم اليتامى بنكاح ما طاب لنا من النساء؟

الجواب لن يتضح إلا بمعرفة السبب الذي لأجله نزلت الآية، وهو ما كشف عنه حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، وخلاصته أنَّ بعض الصحابة كان يعتقد أنَّ كفالته لليتيمة وإنفاقه عليها يُغني عن دفع مهرٍ لها إذا أراد أن يتزوجها، فهو لا يعطيها مهرًا وافيًا كما يُعطى عادةً، وإنما يعطيها مهرًا قليلاً اعتقادًا منه أنه لا حاجة لدفع المهر كالمعتاد.

ولما كان هذا الأمر ظلمًا لليتامى، أمر الله عزوجل المسلمين أن لا يتزوجوا النساء اليتيمات إذا كانوا يخافون ألا يعدلوا معهن في المهر، وكي يصرف الله عزوجل أنفسهم عن مثل هذه التصرفات الخاطئة أمرهم بأن يذهبوا ويبحثوا عمن طاب لهم ليتزوجوه.

وهذا المعنى شرحه ابن كثير بقوله: "قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى ) أي : إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة ، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها ، فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ، ولم يضيق الله عليه".

إذن الآية تقول للمسلمين الذين يريدون الزواج باليتامى ما يأتي:

أولاً: يجب عليكم أن تعدلوا مع اليتامى بأن تعطوهن المهور كاملة، مثلهن كمثل أي امرأة أخرى، وإنفاقكم عليهن طوال مدة رعايتهن لا يعني الإعفاء من دفع المهر.

ثانيًا: في حال عدم قدرتكم على العدل معهن، فإنَّ الواجب عليكم أن لا تتزوجوا بهن، بل انصرفوا إلى امرأة أخرى تطيب لكم.

إذن نفهم بوضوح أن فكرة التعدد لم تأتِ أصلاً وابتداءً، وإنما جاءت لحل مشكلة الخوف من ظلم اليتيمات في مهورهن. فالقرآن حتى يصرف أنظارهم عن الزواج باليتيمات اللواتي يُخشى من عدم العدل معهم قال لهم اذهبوا إلى غيرهن، وذكر لهم لفظ "طاب لكم" تحفيزًا لهم لترك الزواج منهن إذا لم يستطيعوا العدل معهن.

نخلص مما مضى أنَّ الآية  لا تدلُّ على أنَّ الإسلام يحث على التعدد مطلقًا، وإنما تدلُّ على أن الحث على التعدد جاء في حالة واحدة، وهي حالة عدم ضمان إيقاع العدل مع اليتامى.

وعلى ذلك، فإنَّه إذا كانت مشكلة ظلم اليتامى غير موجودة فإنَّ الحث الوارد في الآية "فانكحوا ما طاب لكم" لن يكون موجودًا كذلك، فإذا تلاشى فعل الشرط يتلاشى جوابُهُ تبعًا لتلاشيه.

تنبيه: حين نقول إن الإسلام لا يحث على التعدد لا يعني أنه لا يجيز التعدد، فالتعدد مباحٌ شرعًا بنص الوحي. لكن ما نقوله هنا هو أن الإسلام لا يحث على التعدد، ولا يراه مستحبًا كما يُعتقد.

فقهاء الإسلام لا يفضِّلون التعدد

يعتقد الأجنبي عن الفقه الإسلامي أنَّ فقهاء الإسلام متفقون على تفضيل التعدد واستحبابه، نظرًا لما يحاول تافهو هذا الزمن من ترويجه عن الفقهاء، من أنهم محضُ سعاة لتفصيل النساء على مقاساتهم.

لكن الحقيقة أنَّني لم أجد مذهبًا من المذاهب الفقهية يستحب التعدد، فالمذاهب الأربعة كلها لا تستحب التعدد.

ففي مذهب الشافعية نجد أن الإمام النووي في كتابه "روضة الطالبين" يقول: "والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة". أما في مذهب الإمام أحمد فنجد أن عمدة المتأخرين علاء الدين المرداوي في كتابه "الإنصاف" يقول: "ويستحب أيضا أن لا يزيد على واحدة، إن حصل بها الإعفاف. على الصحيح من المذهب". أي على القول المعتمد في مذهب الحنابلة.

إذن فقهاء الشافعية والحنابلة يصرّحون بأن الأفضل تجنّب التعدد والاقتصارُ على واحدة.

لماذا لا يستحب الفقهاءُ التعددَ؟

كراهة الفقهاء للتعدد ناشئة عن اعتبار المآل الأغلبي لحالات التعدد، وهو المآل الذي أشار القرآن لاحتمال وقوعه: {وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}. أي أن علة عدم استحباب التعدد هي كونه وسيلة غالبة للوقوع في الظلم، والظلم حرامٌ شرعًا، والقاعدة الفقهية أنه كل فعل يُظن بعده الوقوع في محرم فهو مكروه. أما لو كان الرجل يعلم أنه لن يعدل في التعدد فإن الفقهاء متفقون في هذه الحالة على أن التعدد حرامٌ شرعًا.

هذا فيما يتعلق بالشافعية والحنابلة، أما فقهاء الأحناف والمالكية فلم أجد في كتبهم المعتمدة أي تصريح باستحباب التعدد، وإنما يكتفون بتوضيح حكم الزواج نفسه، والزواج ليس له حكم مطلق، وإنما يختلف باختلاف الحال، فقد يكون الزواج مكروهًا إذا لم يحتج الرجلُ إليه، وقد يصل إلى التحريم إذا كان الرجل غير قادر على المستحقات المالية للزوجة كما ذكر ذلك الفقيه المالكي الخرشي في شرحه على مختصر خليل، حيث يقول: "وقد يكره في حق من لم يحتج إليه ويقطعه عن العبادة ويحرم في حق من لم يخش العنت ويضر بالمرأة لعدم قدرته على النفقة".

ولنتأمَّل هنا، فإذا كان فقهاء المالكية يكرهون الزواج نفسه إذا فعله الرجل وهو غير محتاجٍ إليه، فما موقفهم إذن من الرجل الذي يعدد وهو ليس محتاجًا إليه؟ لا شك أن الحكم سيكون أشد في حقه.

إذن فقهاء الإسلام عمومًا بين موقفين:

الموقف الأول: رفض التعدد من خلال التصريح بكراهته وعدم استحبابه، وهذا هو موقف الشافعية والحنابلة.

الموقف الثاني: السكوت عن مسألة التعدد، وعدم التصريح باستحبابه، وهذا هو موقف الحنفية والمالكية، وإن كانت لدى بعضهم إشارات بفهم منها كراهية التعدد لغير حاجة.

الخلاصة في الموقف الإسلامي أنه ليس في نصوص الوحي ولا في نصوص المذاهب الفقهية مطالبةٌ بالتعدد وحثٌّ عليه، بل إنَّ بعض الفقهاء ذكر صراحةً أن تعدد الزوجات غيرُ مستحبٍ.

الخاتمة

مما مضى نخلص إلى النتائج الآتية:

أولاً: أنَّ تعدد الزوجات لم يُذكر إلا في آية واحدة.

ثانيًا: أنَّ هذه الآية لم تطلب وتحث  المسلمين على تعدد الزوجات من حيث الأصل، بل ذكرته باعتباره علاجًا لمشكلةٍ ما، أي أنه لولا وجود تلك المشكلة لما ذُكر هذا العلاج أصلاً.

ثالثًا: أنَّ الليبرالية لا ترفض فكرة تعدد الزوجات ما دام الطرفان راضيين؛ لأنَّ الأصل في الإنسان العقلانية والرشد، وهذا هو المنطلق الأساس في منح الإنسان حريته، فإذا كنا نفترض الرشدَ في الإنسان، فمن التناقض بعد ذلك أن نمارس الوصاية على سلوكه؛ لأنَّ الوصاية لا تكون إلا على غير الراشد.

إذن، لا الإسلام يُطالب بتعدد الزوجات، ولا الليبرالية تطالب بمنع تعدد الزوجات.


 

[1]  أرسطو، السياسة،  ص529.

[2]  روسو، العقد الاجتماعي،  ص248

[3]  راجع موقف جون لوك في كتابه "رسالة في التسامح"،  ص114.

[4] ستيورات ميل، أسس الليبرالية السياسية، ص 232.

[5]  المرجع السابق، المكان ذاته.

التعليقات

يوجد 2 من التعليقات

إيناس توفيق

2017-02-04 12:23:39

تعرفت على الموقع الرائع صدفة من خلال بحث عابر في غوغل بقيت فترة أقرأ المقالات والابحاث المنشورة وصار عندي في المفضلة ادخل له بين فترة وفترة اود ان اشكركم على الجهد الرائع وتحياتي للدكتور نايف صاحب القلم الرائع والمبدع وايضا شيء ملفت عنده هو اختياره لصور مقالاته ذات دلالات كبيرة كل مرة اقضي فترة اتأمل في الصور شيء يجننن ^^

تالة

2023-11-18 11:37:14

مقالة مفيدة جدًا وتنظيم الأفكار رائع! لكن ولو كانت الليبرالية لا تطالب بمنع التعدد ألا تحاربها في الواقع الفعلي في المجتمعات المسلمة -وإن بصورة غير قانونية-؟! بارك الله فيك د/نايف.