هل مات الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في مهده؟


اسم الكاتب : زورغن رولاند وإليزابيت نادالوتي، ترجمة: حسين نعيم الحق، مراجعة: د. نايف بن نهار

المشاهدات : 1477

في الثامن من سبتمبر الماضي، كشف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، النقاب عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، وذلك في قمة مجموعة العشرين المنعقدة بنيودلهي، وهو عبارة عن مشروع اتصالات ضخم يُزمَع إنشاؤه بتكلفة عدة مليارات دولارات؛ للربط بين الهند وأوروبا عن طريق الشرق الأوسط. وقد وقَّع في هذا المشروع كل من الهند، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي [بالإضافة إلى إسرائيل].

وكما هو متصور، فإن جوهر مشروع IMEC يمثِّل في إنشاء ممرِ نقلٍ متعدد الأغراض، والذي يربط ساحل الهند الغربي بالإمارات العربية عن طريق البحر، كما يربط ميناء حيفا في إسرائيل عن طريق سكة الحديد التي تمرّ بالمملكة العربية السعودية، ومن ثمَّ إلى مدينة بيرايوس اليونانية، التي تصلها ببلدان أوروبية أخرى، عن طريق سكة الحديد، أو الطرق البرية والبحرية. كما يشمل مشروع الممر خطوط أنابيب الهيدروجين الذي ينتجه كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى شبكة اتصالات عالية الجودة لتقنية المعلومات، وشبكات الطاقة.

ويهدف مشروع IMEC إلى الاستثمار العالمي في البنية التحتية (PGII) التي أطلقتها دول مجموعة السبع (G-7) في يونيو عام 2022، وذلك كبديل غربي معارِض لمبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، والتي انتُقِدت بكونها مبادرة غير مستدامة اجتماعيًا وبيئيًا، ومُثقِلة لكاهل الشركاء بالديون الكبيرة، بالإضافة إلى زيادة النفوذ الصيني في جنوب الكرة الأرضية، في حين أن مشروع IMEC يعِدُ [بحسب منظريها] بتقديم بنية تحتية خضراء ومستدامة ومرنة، وذلك بسبب مكوناته الرقمية، وإنتاج الهيدروجين الواعد، وإصدار شبكة النقطة الزرقاء (Blue Dot Network). ومن هنا يسعى IMEC إلى تقديم نفسه كمشروع اتصال عالي الجودة.

وتعتزم الولايات المتحدة والهند، من خلال هذا المشروع، إلى تقديم بديل للوجود الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، كما رأينا ذلك في الوساطة الصينية الأخيرة في تطبيع العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما أن الولايات المتحدة تأمل في ربط الهند بالغرب بشكل أكبر عن طريقه، وتعزيز قوة الأخيرة لتمثِّل قطبًا مضادًا للصين في هذه المنطقة. بالإضافة إلى تعزيز تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل من خلال دمجهما في هذا المشروع. 

ومن جانبها، تتوقع الهند تدفقًا هائلًا للاستثمارات الأجنبية والابتكارات التقنية لتعزيز قطاع التصنيع الهندي، وبالتالي زيادة الصادرات الهندية، في حين ترغب كلٌ من الإمارات والسعودية في إنتاج الهيدروجين كبدائل خضراء لصادراتهما المعتمدة على الوقود الأحفوري. وبالرهان على النمو الاقتصادي السريع المتزايد للهند، يأمل الأوروبيون في تنويع سلاسل التوريد والأسواق المعتمدة على الصين.

وقد عدَّت الهند وشركاؤها مشروع IMEC كعاملٍ يغيِّر قواعد اللعبة في معادلة القوة الأورو-آسيوية، ما يؤدى إلى تقييد حركات الصين التجارية، واستبدالها بالهند، ومن ثمَّ العودة إلى مربع الولايات المتحدة وأوروبا.

وسط هذه المعمعة، لم تُسمَع أصوات كثيرة من أماكن أخرى، في حين أن الصين حذرت من التوقعات غير الواقعية لهذا المشروع، وذلك في ضوء النتائج المخيِّبة للآمال، والتي أدت إليها برامجُ البنية التحتية الغربية السابقة، كبرنامج البناء الأميركي (the American BUILD program) وبرنامج إعادة بناء عالم أفضل (Build Back Better World program)، والبوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، أو شراكة مجموعة السبع للاستثمار العالمي في البنية التحتية، حيث إن هذه المشاريع كلها فشلت فشلًا ذريعًا في تعبئة الاستثمارات اللازمة بشكل جدي لتحدي مبادرة الحزام والطريق. ومع أن العمل يجري حاليًا لوضع التفاصيل لمشروع IMEC إلا أن الاستثمار المطلوب لهذا المشروع غير معروف حتى الآن.

وقد أثار خبراء النقل والمواصلات إشكالات لوجستية تواجه مشروع IMEC، حيث إن البضائع التي تمر بهذا الممر تحتاج إلى تحميلها أكثر من مرة، وذلك من السفن إلى سكة الحديد (ما بين الهند والإمارات)، ومن سكة الحديد إلى السفن (ما بين الإمارات وإسرائيل) إلخ، كما أن تقليل مدة النقل بنحو 40%، كما هو متوقع، لا يجعل التجارة أقل تكلفة، بالمقارنة مع طريق قناة السويس التقليدي.

ومع الهجوم الوحشي[1] الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري، فإنه ليس من المؤكد أن المشروع سيرى النور في أرض الواقع، ومن هنا لا بد أن نتوقع أن يكون الرد الإسرائيلي على الفلسطينيين مخيفًا ودمويًا.

ومع استعداد إسرائيل لهجوم بري على قطاع غزة ذات الكثافة السكانية العالية، فإنه من الصعب تجنُّب ارتفاع عدد القتلى في صفوف المدنيين، وهو ما يجعل التطبيع الدبلوماسي الجاري بين إسرائيل والسعودية صعبًا للغاية.

وقد كان من المفترض أن يقوم مشروع IMEC بتسهيل عملية التطبيع بين هذين الطرفين، ولعل هذا كان دافعًا إضافيًا لحماس في الهجوم على إسرائيل في هذا التوقيت بالذات. ومع أن التطبيع الإسرائيلي-العربي اكتسب زخمًا كبيرًا بعد اتفاقيات أبراهام (the Abraham Accords) المنعقدة بين إسرائيل والإمارات والبحرين في 2020، والتي انضمت إليها السودان والمغرب فيما بعد، إلا أن الرأي العربي العام بقي مؤيدًا للفلسطينيين، حتى في الدول العربية المعتدلة (!) في العلاقة مع إسرائيل، وسوف يزداد التضامن مع الفلسطينيين أكثر فأكثر مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة، وهو ما يعيق عملية التطبيع مع إسرائيل من جانب، ويزيد المعارضة ضد مشاركة إسرائيل في مشروع IMEC من جانب آخر.

يضاف إلى ذلك وقوع ميناء حيفا بالقرب من الحدود اللبنانية الإسرائيلية المتوترة، واحتمالية تعرُّض البنية التحتية التي تربط هذا الميناء بشبه الجزيرة العربية للهجوم من ميليشيا حزب الله الموالية لإيران، في حال قرَّرت الدخول في الصراع لصالح حماس، وإن تصاعد حدة التوتر وانعدام الأمن في نقطةٍ جد مهمة لمشروع IMEC يجعل المستثمرين يهربون من المشاركة في هذا المشروع، وهو ما يؤثر كثيرًا على مستقبله، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن مشاريع البنية التحتية الغربية الكبرى تميل عادة إلى الاعتماد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بل إن من المتوقع أن يسهم القطاع الخاص بحصة الأسد من الاستثمارات، وهو ما لا نتوقعه في ظل تصاعد حدة التوتر بين حماس وإسرائيل، ما يؤثر سلبًا على المشروع برمته.

وفي ضوء هذه المعطيات الواقعية يرِد السؤال: هل يمكن إنقاذ مشروع IMEC في ظل تصاعد الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين؟

لعل إعادة ترسيم الممر عبر العراق وتركيا أحد الخيارات المتاحة لإنقاذه، وهو ما يُعِيد تركيا إلى واجهة اللعبة، مع أن التصميم الأصلي للمشروع جعل تركيا في الهامش، ما أثار استياء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبالتالي روَّج لبناء طريق تنمية العراق كبديل لهذا المشروع، وهو ما أعلنته الحكومة العراقية في مايو الماضي، والذي يربط تركيا بميناء الفاو العراقي عن طريق البر وسكك الحديد.

غير أن هناك عوامل عديدة تعيق احتمالية إعادة ترسيم الممر هذه إلى حد كبير، كالحالة السيئة للبنية التحتية العراقية التي غرقت في الحرب لعدة سنوات، وبالتالي فإن تكاليف ترميمها تتجاوز خطة الممر الأصلية. كما أن المشروع سيواجه صعوبات أمنية كبيرة، في حال مروره بشرق تركيا، وذلك لوجود التمرد الكردي في هذه المنطقة، ما يعني أن حماس المستثمرين سيظل منخفضًا في هذه الحالة أيضًا. بالإضافة إلى أن العلاقات الهندية التركية ليست جيدة إلى حد كبير، حيث إن أنقرة تُعدُّ قريبة الصلة بباكستان، عدوة الهند اللدود.

وفي ضوء هذا كله، يصعب تغيير مسار IMEC عبر العراق وتركيا كبديل لـمساره الأصلي إلى حد كبير، ناهيك عن طريق قناة السويس التقليدية.

لقد واجه كلٌ من مبادرة الحزام والطريق ومنافِسها IMEC تحديات كبيرة، حيث إن مبادرة الحزام والطريق الصينية محرومة من الطريق البري المباشر الذي يربط الصين بأوروبا، عبر روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، كما أن من المرجح أن يصبح مشروع IMEC من ضحايا الحرب بين إسرائيل وحماس. ومع ذلك يبدو أن مبادرة الحزام والطريق أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه الصدمات الخارجية، تلك المبادرة التي يتم العمل عليها منذ 2013، والتي عثَرت على الطريق البري البديل، عبر آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وتركيا، ولا شكَّ أن هذا بديلٌ فعَّال، من حيث التكلفة، في مقابل مشروع IMEC الذي يفتقد مثل هذا البديل.

 

  • نُشِر المقال الأصلي في تاريخ ١٧ أكتوبر، ٢٠٢٣م باللغة الإنجليزية، في مجلة (The Diplomaticوهي مجلة مختصة بشؤون منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
  • الدكتور زورغن رولاند أستاذ فخري بقسم العلوم السياسية في جامعة فرايبورغ، ألمانيا، والدكتورة إليزابيت نادالوتي أستاذ العلاقات الدولية ودراسات التنمية المساعد بكلية فوروارد (Forward) في البرتغال.
  • مصدر الصورة https://www.straturka.com/india-middle-east-and-europe-economic-corridor/
 

[1] لا يخفى أن هذا انحيازٌ أعمى من الكاتِبَين إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي كعادة كثير من الغربيين.

التعليقات

يوجد 0 من التعليقات

لا يوجد تعليقات