أثر سيبويه في الدرس الأصولي


اسم الكاتب : د. عادل فتحي رياض

المشاهدات : 1915

ولما كانت العربية بتلك المنزلة قيض الله لها من يحمل لواءها من الأئمة والأعلام، فبذلوا النفيس والمهج في سبيل رفعتها وتأصيل قواعدها وترسيخها، وهجر الكثيرون منهم أوطانهم في سبيل تحصيلِ شاهدٍ تُبنى عليه قاعدةٌ أو تثبت به صحتُها، وصنفوا فأكثروا، فكان منهم المؤصِّل والناظم والمختصِر والشارح. ويأتي على قمة هؤلاء إمام العربية سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان، «متبوع الجماعة، وسيد هذه الصناعة» كما يلقبه الجويني، وحكيم لسان العرب، والذي يعد في عصرنا هذا رمزًا للأصالة، أصالة البحث والمنهج، وأصالة الفكر والثقافة.

قال ابن جني: «ولما كان النحويون بالعرب لاحقين، وعلى سمتهم آخذين، وبألفاظهم متحلِّين، ولمعانيهم وقصودهم آمِّين؛ جاز لصاحب هذا العلم الذي جمع شَعاعه، وشرع أوضاعه، ورسم أشكاله، و وسم أغفاله، وخلَج أشطانه، وبعَج أحضانه، وزمَّ شوارده، وأفاء فوارده؛ أن يرى فيه نحوًا مما رأوا، ويحذوه على أمثلتهم التي حذوا...»

 ويعد كتابه موسوعة عربية في الأصوات والنحو والصرف والشعر والبلاغة، فهو كما يقول ابن تيمية: «ليس في العالم مثلُه، وفيه حكمةُ لسان العرب» وقال المبرد: «لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه». وقال المازني: ما أخلو في كل زمن من أعجوبة في كتاب سيبويه، ولهذا سماه الناس (قرآن النحو).

وقال ابن كيسان: نظرنا في كتاب سيبويه فوجدناه في الموضع الذي يستحقه، ووجدنا ألفاظه تحتاج إلى عبارة وإيضاح، لأنه كتاب ألف في زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ، فاختصر على مذاهبهم. وقال علي بن سليمان: عمل سيبويه كتابه على لغة العرب وخطبها وبلاغتها؛ فجعل فيه بيِّنًا مشروحًا،وجعل فيه مشتبهًا، ليكون لمن استنبط ونظر فضل، وعلى هذا خاطبهم الله عز وجل بالقرآن

  ولما كان النحو يضرب في العلوم العربية والإسلامية بسهم، وأصلا من أصولها؛ وكان هو الفن الرئيس لـ (الكتاب)؛ أردت أن أرصد أثر سيبويه وكتابه في واحد من أهم هذه العلوم وهو (علم أصول الفقه) والذي اختصت به هذه الأمة دون غيرها.

ولكي تتجلى معالم هذا البحث وتتضح مسائله وتُجنى ثمرتُه جعلته قسمين؛ الأول أتكلم فيه عن منزلة العربية من أصول الفقه، وهذا القسم بمنزلة التمهيد للقسم الآخر والذي أتتبع فيه مظاهر عناية الأصوليين بكتاب سيبويه واعتمادهم عليه.

 

 

 

 

التعليقات

يوجد 0 من التعليقات

لا يوجد تعليقات