إذا كان الدين يوافق العقل فلماذا لا نكتفي بالعقل؟


اسم الكاتب : د.نايف بن نهار

المشاهدات : 5776

إذا كان الدين يوافق العقل، فلماذا لا نكتفي بالعقل؟


يطرح بعض الناس سؤالاً مفاده: إذا كان المسلمون يعتقدون أن دينهم يوافق العقل، فلماذا لا يكتفون بالعقل إذن؟ أليس إصرارهم على وجود الدين بجوار العقل دليلاً على عدم اقتناعهم أصلاً بالعقل؟

الحقيقة أنَّ هذا السؤال لو تأملناه سنجد أنَّه قائم على فرضيَّة خاطئة منطقيًا، وهي فرضية أنَّ كل ما يوافق الشيء يُمكن الاستغناء عنه. وهذه فرضية خاطئة؛ لأنه لا يوجد تلازم بين التوافق والاستغناء. وحتى يتضح خطأ هذه الفرضية سنعبّر عنها بالاستدلال المنطقي الآتي:

المقدمة الأولى: الدين موافق للعقل

المقدمة الثانية: وكل ما يوافق العقل يُمكن الاستغناء عنه

النتيجة: الدين يمكن الاستغناء عنه

هذا هو منطق الاستدلال الذي بُني عليه السؤال، ونلاحظ هنا أن الخلل واضح في المقدمة الثانية التي تعبّر عن الفرضية الخاطئة، إذ ليس صحيحًا أن كل ما يوافق العقل يمكن الاستغناء عنه. فالعلم مثلاً يوافق العقل، فهل يمكن أن نقول يمكن الاستغناء عن العلم؟ هل يمكن أن نستعمل منطق الفرضية نفسها ونقول: إذا كان العلم لا يعارض العقل، فلماذا لا نكتفي بالعقل عن العلم؟

وأكثر من ذلك، أنه يمكننا أن ننقلب على الفرضية نفسها، وذلك من خلال عكسها بجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعًا، فتكون كالآتي:

المقدمة الأولى: العقل يوافق الدين.

المقدمة الثانية: وكل ما يوافق الدين يمكن الاستغناء عنه

النتيجة: العقل يمكن الاستغناء عنه!

 إذن واضح أنَّ هذه الفرضية فرضيةٌ خاطئة لدرجة أنها انقلبت على العقل نفسه وأباحت الاستغناء عنه؛ ومنشأ الخطأ في هذه الفرضية أنها تجعل موافقة الشيء لشيء آخر تعني إمكانية استغناء أحدهما عن الآخر، وهذا غيرُ صحيح.

والإشكال سوف يُحل لدى صاحب هذه الفرضية إذا أدرك أنَّ "الموافقة" لا تعني "المساواة"، فنحن حين نقول الدين يوافق العقل، لا يمكن أن نفسّر كلمة "يوافق" بأنها "يساوي". ولو أننا نقول "الدين يساوي العقل" لكان جائزًا أن يُستغنى عن الدين والاكتفاء بالعقل؛ لأنه سيكون محض عبء إضافي على الإنسان. لكننا لا نقول بذلك، وإنما نقول إنه يوافقه، والموافقة لا تعني الاستغناء.

الموافقة قد تعني التلازم

موافقة الشيء للشيء لا تعني عدم وجود التعارض فقط، بل قد تعني أنهما محتاجان لبعضهما، ويتوقف كل منهما على الآخر. فالدستور مثلاً يتفق مع القوانين، ومع ذلك فإنَّ اتفاقهما لا يعني استغناءهما عن بعض، بل يعني أنَّ قيمة الدستور العملية تتوقف أصلاً على وجود القوانين التي تترجمه على أرض الواقع. والعلم متفق مع العقل، لكن ما قيمة العلم بلا عقل؟ العلم يكون في غاية السوء والضرر إن تجرَّد عن العقل.

إذن التوافق لا يعني عدم التساوي فقط، بل قد يعني احتياج المتوافقين لبعضهم. وإذا ثبت ذلك فإنه لا تبقى حجة منطقية للاستدلال بتوافق الدين والعقل على استغنائهم عن بعض.

التعليقات

يوجد 1 من التعليقات

S

2017-05-20 19:23:44

Thanks for posting this. The arguments above are very well presented. I would add to it a few additional points: Firstly, the deen doesn't agree with all aqls but rather the correct aql that has not been tarnished and corrupted by external influences. So therefore it can be argued that deen is always still needed because how can anyone guarantee that their aql has not been tarnished and is not prone to error. Secondly, even if could be guaranteed that the intellect is sound and not erroneous, we still face the problem that not all intellects arrive at the same conclusion... so whose intellect do you follow when they differ? Therefore deen is still needed as the final criterion. Thanks for posting such a well argued case. It was an enjoyable read.