ما معنى العيب وما الفرق بينه وبين الحرام؟


اسم الكاتب : د. نايف بن نهار

المشاهدات : 34723

لا بد أن نشير أولاً إلى وجود تداخل بين العيب والحرام، فكلتا الكلمتين تشير إلى استنكار فعلٍ ما، فالعيب شيء مستنكر، والحرام شيء مستنكر كذلك، فالاستنكار هو العنصر المشترك بين الحرام والعيب، لكن العيب استنكار مجتمعي، والحرام استنكار شرعي.

هذا التداخل بين الكلمتين ربما هو المتسبب في إيجاد لبس بينهما، فصار بعض الناس لا يملك حدودًا واضحة بين الكلمتين، فما دام هذا الشيء مستنكرًا فهو عيب وحرام. ويتعزز هذا الخلط حين يسعى بعض المتدينين لشرعنة العيب، أي لجعل العيب حكمًا شرعيًا لا اجتماعيًا، ربما يكون قصدهم من ذلك تأكيد منعه ورفضه.

والعيب قد يكون خاصًا بمجتمع معين، مثل عدم ارتداء العباية أو الغترة والعقال في المجتمع القطري، وقد يكون عيبًا مشتركًا بين المجتمعات، مثل الخيانة، فهي تعد معيبة في كل المجتمعات الإنسانية.

 ما الفرق بين العيب والحرام؟

يمكن تلخيص الفروق في الآتي:

أولاً: العيب حكم اجتماعي، والحرام حكم شرعي، فالعيب نعرفه من خلال المجتمع، والحرام نعرفه من خلال نصوص الشريعة.

ثانيًا: العيب حكم متغير، والحرام حكم ثابت. فلأن العيب حكم اجتماعي، فإنه يتغير باختلاف المجتمع، فما هو عيب في المجتمع القطري قد لا يكون عيبًا في المجتمع المصري. أما الحرام فهو حرام بصرف النظر عن المكان والزمان. فالظلم والربا والزنا كلها محرمات بصرف النظر عن المجتمع.

وكما يتغير العيب باختلاف المجتمع يتغير كذلك باختلاف الزمن، فما يراه المجتمع القطري عيبًا اليوم قد لا يراه عيبًا بعد عدة سنين.

ثالثًا: العيب حكم متعلق بالسلوكيات غالبًا، فهو لا يشمل معتقدات الإنسان، أما الحرام فهو يشمل المعتقدات والأفعال.

رابعًا: العيب مرتبط بمكان وجودك، والحرام مرتبط بفعلك بحد ذاته. فمثلاً لو ذهبت إلى جامعة قطر مرتديًا جينزًا لكان ذلك معيبًا جدًا في نظر المجتمع القطري، لكن لو كنت أرتديه في تركيا مثلاً فإن المجتمع القطري نفسه لن يرى ذلك معيبًا، فإذن العيب ليس مرتبطًا بالفعل فقط، بل بالمكان كذلك.

أما الحرام فهو متعلق بفعلك، وليس مرتبطًا بمكان وجودك.

خامسًا: أحيانًا يكون استنكار العيب أكبر من استنكار الحرام، فمثلاً زواج المرأة من أجنبي في المجتمع الخليجي يُستنكر بشكل أكبر من تعاملها بالربا، مع أن الأول جائز شرعًا والثاني محرم، فالعيب يكون أحيانًا أكثر استهجانًا من الحرام.

سادسًا: قد يكون الشيء عيبًا وحرامًا في نفس الوقت، وقد يكون حرامًا وليس عيبًا، وقد يكون عيبًا وليس حرامًا، فالعلاقة بينهما كما يقول علماء المنطق: عموم وخصوص وجهي.

فمثلاً:

- خروج الرجل إلى عمله دون أن يرتدي غترته وعقاله يعدُّ عيبًا في المجتمع القطري، لكنه لا يعد حرامًا.

- الاستبداد يعدُّ حرامًا في الشريعة الإسلامية، لكنه لا يُعدُّ عيبًا في المجتمع.

- الزنا يعدُّ حرامًا وعيبًا في الوقت نفسه، أي أن الشرع والمجتمع كليهما يستنكرانه.

الخلاصة أن العيب صناعة مجتمعية، يتغير من مجتمع لآخر، ويتغير من زمن لآخر، ومرتكب العيب لا يأثم شرعًا إلا إذا كان هناك نص شرعي. أما الحرام فهو حكم إلهي وليس حكمًا اجتماعيًا، والحكم الإلهي لا يُعرف إلا من نصوص الوحي حصرًا، وهو ثابت لا يختلف من مجتمع لآخر، ولا من زمن إلى زمن.

التعليقات

يوجد 0 من التعليقات

لا يوجد تعليقات